حكايات زمن
العرب قديما ليس لهم معرفة فنية بالقصة .. ولم يتعاملوا معها على انها نسيج خيال وحبكة وفن ..ولم يكتبوها وانما تناقلوا حكايات تاريخ .. وكتبوا فيما قلوا وروا الكثير من قصص البطولات الحقيقية التي اضافوا لها بهارات فيما بعد .. فلا تخلو من طرفة او خيال .. ويمكننا القول .. ان القصة بمفهومها الفني عرفت حديثا .. لكن العرب مع احتفاظهم بالشعر والبيان واجادة الخطاب اضافوا الى رصيدهم الثقافي والادبي الترجمة .. واخذوا منها بعضا من حكاياتها .. مثل كليله ودمنه والف ليلة وليلة .. لكن كما قلنا ان الرصيد الاعم هو تاريخهم الذي ينقسم الى اثنين .. الاول التاريخ الموثوق .. والثاني التاريخ التراثي .. مثل قصص ابو زيد الهلالي وغيرها الذي اضيفت اليه فيما بعد اقوال كثيرة لا تخلو من طرفة او تسلية والذي يكون بجمله تعليم وثقافة .. وتنسحب معه قصص البطولات اوالغزوات التي كانت تحدث في تلك الفترة بين العرب والمتناقلة عبر تراث شعبي والتي لم يتم تأريخها بشكل موثوق .. وهي كما اشرنا مأخوذة من تراث او من المحيط المجتمعي .. واي مجتمع يقول القصة فانه يصنع المسرح معه .. فالمسرح ليس مكانا يجمع الناس فقط .. ولكنه حركة تجسد المعنى .. فالجدة مثلا عندما تروي قصتها فهي تجسدها بالحركة .. فتغير من صوتها وتحرك يديها وربما تضحك في موقف وتحزن في موقف وتنقل المستمع الى جو اشبه بجو المسرح .. والقصة تعني حبكة حدثت .. وربما تبقى اثارها .. فهي اشبه بقص الاثر الذي يبقى اثره كي يتبعه من يريده .. وهناك فرق بين قصة وحكاية .. فالقصة حدث .. والحكاية قول .. أي شخص يقول .. أي انه يحكي شيئا على ذمته او نقله او سمعه او ماقرأه .. فتنقل على انها حكاية .. شريطة انها تكون خارج نطاق التاريخ او الارث الاجتماعي او الانساني .. فلا نستطيع ان نقول عن قصة عنتر بن شداد انها حكاية لانها اثر وتاريخ .. ولا عن قيس .. ليه .. لان لو شخص حكي لنا عن عنتر شيئا جديدا لا يمكننا ان نصدق ان جده او شخصه او عمه او خاله او جاره او صديقه كان يعيش زمن عنتره .. ليه .. لانه يحاكي الشخصية او يحاكي التاريخ ذاته .. لكن لو قال لنا حكاية لم نسمع بها ولم نقرأها وليست مذكورة في تاريخ وليس لها اثر او عرف في مجتمع فنقول انها حكاية فلان .. ومعنى الحكاية في اللغة ( انك حاكيت فلانا ) أي انك فعلت كفعله .. واصلها أي جذرها حكي .. ولم اجد ان الحكاية هي قول او روا .. لكن المتعارف عليه الناس هي كذلك .. طيب .. لو قلنا حكايات الزمن .. هل يمكن ان ننسج خيال من قول شخص .. فعندما نقول حكاية زمن .. فان الزمن يحكي .. ان يفعل كما فعل صاحب القول .. فهل تستوي الجملة وهي في حقيقتها فعل يقين وعلم بالشييء مثل القصة .. يعني لو قلنا ان القمر كان اصله مرتبطا في الارض فهذه قصة .. اثبتها العلم اليوم .. لكن لو قلنا حكاية .. فمن حكاها .. وان كان جذرها ان الحكاية هي محاكاة الشيء .. فهل القمر يحاكي فعل الشخص الذي روى لنا هذه الحكاية .. وهذا غير صحيح وليس في اصله شي .. وربما سمعتم اغنية شهرزاد التي تقول بعض مقاطعها احكي الحكايات .. فمن حكى .. وهذه الحكايات .. كيف تناسقت مع فعل القول .. طبعا .. يمكن ان نأخذ من بعض مداخل الكلمات كلمة اعجمية غير مفهومة ومع الزمن يصبح لها معنى وطابعا .. وهناك الكثير من الكلمات التي لا معنى لها لكن ترجمت عبر عقلنا الباطن على انها كلمة لها معنى اخر غير المكتوب والمنظور .. طيب .. اذن القصة هي الحدث الذي وقع فعلا ... وله حبكه وفن .. والكثير ممن يكتب القصة اليوم يحاكي فيها احوال مجتمعه وتاريخه وحاضره وماضيه .. ولا نقول انها نسيج خيال وان كانت فعلا كذلك .. فالذي يكتب قصة عن مطلقه وكيف تعيش حياتها في عذاب .. واطلق عليها اسما .. قد لا تكون هذه القصة حقيقة واقعة بالنسبة للاسم المذكور والحدث المنظور .. ولكنها قصة واقعية تعيشها عشرات الالاف من المطلقات .. لذلك فان نجيب محفوظ حصل على جائزة نوبل .. ليه .. لانه كتب قصص يمكن ان تكون .. ولانه كتب قصص واقعية من المجتمع .. وهذا المجتمع هو جزء من مجتمع اممي .. فمثلا الذي يعيش في عذاب لانه لا يجد شقه يتزوج بها هذه القصة تشاركه بها امم اخرى في هذا العالم الكبير .. فاصبحت قصته في هذه الحالة اممية .. انتبهوا معي جيدا .. طيب .. هذه القصة من الذي كتبها .. الذي كتبها انسان .. ايا كان اسمه من الكتاب المعروفين .. وهو كتب قصة بطلها غير حقيقي .,. لكنه يعيش في ثوب اخر من هذا العالم .. لكن الله سبحانه عندما يقص علينا القصص .. فانه يقصها بحدثها الواقعي الكامل .. وتعالوا معاي واقرأوا هذه الاية الكريمة لتعرفوا ان القصص التي يقولها الله سبحانه هي ليست قصة يمكن ان تكون او قد تحث ولكنها كانت وحدثت .. يقول الله سبحانه
(ألم تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ) اقرأوا معي بداية الاية الكريمة .. يقول الله سبحانه ( الم ترى ) هل كان محمد عليه الصلاة والسلام موجودا في ذلك التاريخ .. بالطبع لا .. لانه لم يخلق بعد .. فكيف يقول الله سبحانه له ( الم ترى ) .. الجواب هو .. ان الله سبحانه عندما يقول قصة فهي واقعه وكأنه راها لا مجال للشك فيها ..فهي واقعة وحدثت فعلا .. والله سبحانه يصفها كما هي وصف دقيق وكأنه يراها .. فهو راها
وهذا الكلام لا يقوله انسان .. يعني لا يمكن ان يأتي شخص ويقول لنا قصة فيبدأ فيها بقوله طبعا انتوا شفتوا عنتر وتدرون عنه .. هذا الكلام لن نقبله منه فنحن لم نشاهد عنتر ولا ندري عنه الا بالكتب .. فنحن لم نعاصره ولم نحضر تاريخه .. لكن الله سبحانه عندما يتكلم عن حقبة زمن فهو الذي خلقها وهو العالم بها وهو الذي يغير معالمها فيبقيها او يزيلها ..
اطبع هذه الصفحة
تعليقات
إرسال تعليق