غطيني ياصفيه

نحن شعوب  نميل للتجريب .. بعد ان فاتنا قطار التصنيع والتصدير .. لاسباب عديدة عاشها عالمنا العربي والاسلامي .. وكانت هناك فرص عديدة  كان يمكن استغلالها للحاق بركب العالم الاول او الثاني .. لكننا ركنا للاستيراد والتفاعل والعيش مع صناعات الاخرين .. والتي يمكن ايقافها عنا او رفع اسعارها علينا او استغلالنا من خلالها .. 

وبالطبع الحديث عن هذا الموضوع طويل ومتشعب .. وتدخل فيه ابواب فتحها سهل واغلاقها صعب .. لان كلما أغلقنا بابا فتح امامنا بابا اخر .. اي كلما عالجنا مشكلة فتحت لنا مشكلة اخرى .. الخ .. وسنأخذ من هذا الموضوع ثلاثة أبواب .. من صناعات العالم الاول والثاني ..  وهذه الثلاثة نأخذ منها الخلاصة .. اي نأخذ منها ثلاثة برامج .. الشات والمنتديات والمدونات ..

وجميع هذه البرامج تعتبر من البرامج الهامة التي غيرت من مفهوم الحريات .. حيث كانت حريات الفرد مقتصرة على الهمس في حال الحديث عن اوضاع بلده او اوضاع مجتمعه خوفا من السلطة .. حيث ان هناك سلطات في العالم الثالث لا تؤمن بالحريات .. وتقمع شعوبها .. ولا تمنحهم حق الحياة الكريمة في اوطانهم ..

وبعد ان انتشرت بيننا غرف المحادثة بأشكالها وانواعها والمنتديات والمدونات .. اصبحت لحريات الفرد صوت اثيري .. ينقل عبر شبكات العالم .. وبدأ العالم يتعرف بشكل ادق على الكثير من مشاكل الفرد في العالم الثالث وبشكل سريع ومفصل ودون الحاجة لدفع المصاريف والتكاليف التي كان يقوم بها في السابق

لكن مع كل هذه الانجازات الرائعة .. التي مكّنت للافراد بأن يتحدثون بحرية عن مشاكلهم .. اصطدمت هذه البرامج بعقلية العالم الثالث .. التي تميل للقهر والتسلط .. وكانت ملامح وبدايات هذه المشكلة  بغرف الشات .. حيث بدأ اصحاب الغرف بممارسة القمع والطرد بشكل تعسفي لاي شخص لا يعجبهم صوته او كلامه ..

كما قام المسؤولين عن الشات الكتابي بوضع قوانين صعب تطبيقها .. كأن يرفعون شخصا مشاركا لمسؤول وعليه ان يتحدث طوال وجود الضيوف وان سكت تم تخفيض رتبته .. كما رافقت هذه المشكلة دخول مراهقين همهم التعرف على الاناث .. مما شكلوا فريقا لطرد اي شخص متمكن في الحديث وصاحب رأي مثير .. فكان يحارب ويطرد في النهاية .. مما افقد الشات مصداقيته .. مما نتج عنه هجر الشات وتم تصنيفه انه من الماضي 

ثم جاءت المرحلة الثانية وهي المنتديات .. وكان فرح المثقفين بها يفوق الوصف .. حيث الاقسام والابواب التي ترضي كل الاطراف .. وبدأ التهافت على هذه المنتديات بشكل جنوني .. حيث يسهر معها جميع المشارب طوال الليل في نقاشات وحوارات جميلة ورائعة .,. وقد قدمت هذه المنتديات الكثير من الخدمات والمعلومات لزوارها .. لكن ... بدأت تتجه بنفس اتجاه الشات .. حيث بدأ المراقب او المشرف يتخذ نفس اساليب مشرفي الشات .. من طرد وعدم نشر المقالات او حذفها او حذف الصور .. وغيرها .. ثم ازدادت المشكلة .. حيث بدأ اصحاب المنتديات يضعون قوانين ولوائج اغرب من الخيال .. 

فمنعوا قراءة اي موضوع الا بالاشتراك .. ومنعوا نقل اي موضوع الا بالاشتراك .. بل وصل بهم الامر .. ان المنتديات الاسلامية ذاتها .. لا يمكنك ان تنقل منها شيئا الا بالتسجيل .. وهي التي يجب ان تكون منتديات دعوية .. تهتم بنشر الدعوة الاسلامية التي تحث على الحب والتسامج والعطاء والايمان الخ ..  .. والحديث عن المنتديات مؤلم ويطول شرحه  .. حتى مل الناس من هذه المنتديات .. وبدأ المثقفون يشعرون بالاحباط ثانية .. ولفهم الحزن من هذه التصرفات التي لا تتناسب مع حجم هذا البرنامج الرائع 

واخيرا جاء اجمل برنامج عرفته البشرية .. وهي المدونات .. فلا مراقب فيها الا انت .. ولا احد يشاركك المسؤولية فيها سواك .. وبها جميع خصائص المنتديات .. حيث يمكنك ان تنشأ الاقسام .. ويمكنك ان تستقبل المشاركات والرد عليها .. ويمكنك ان تضع في المدونة  جميع الكودات والهاكات المستخدمة في المنتديات .. فكان فرح المثقفين بها كبيرا  .. ليه ... لان يمكنك ان تشبع كل نهمك .. فان كنت طبيبا تكون مدونتك طبية .. وان كنت تميل للادب .. فانه يمكنك ان تنشأ مدونة ادبية .. الخ .. وبالطبع مع الاحتفاظ بأسم اخرى ترضي  زوارك .. وهو امر تفتقده المنتديات .. التي يكثير بها الاشراف والادارة 

لكن اصطدم المثقفين والادباء والمفكرين والمتخصصين في امر لم يخطر على بالهم .. وهي المشاركات .. والتي تعتبر ركيزة هامة في عمليات التطوير والاستمرار .. فلا يمكن ان يحدث الانسان نفسه .. او يكتب لنفسه .. اذا كان في نيته مشاركة الاخرين في رأيه .. وحيث انه فتح المجال لهذه المشاركات فهذا يعني انه  يريد المشاركة الفكرية والثقافية والدينية والسياسية والفنية الخ .. فان فقد هذا العنصر فان كل العناصر الاخرى تفشل باداء مهامها

وبدأت المدونات التخصصية تفقد لمعانها بفقدان عنصر المشاركة .. وبدأ صاحبها يمل من هذا الصمت .. وانا واحد من هؤلاء الذين شعرت بهذا الاحساس يوما .. لكني استمريت لسببين .. الاول  .. اني اكتب ل asma التي رحلت مبكرة .. وكنت استاذها وشقيقها .. وهي شوق .. والتي نسميها في البيت اسما .. والسبب الثاني .. اني اريد ان اقدم الشباب هنا .. ان اعلن عنهم .. ان اشجعهم واقف معهم .. فهم كلهم شوق ...

اذن .. بدأ الملل يدخل في قلوب المثقفين بسبب عدم المشاركات .. لكن .. بقيت مدونات اخرى غير تخصصية .. هجرها اصحابها برغم من نشاطهم ومشاركات الزوار معهم .. فما هو السبب .. السبب .. ان صاحب هذه المدونة يعلم جيدا ان هذه المشاركات مجاملات .. هي غير صحيحة .. وكلها نفس واحد .. مما ولد في نفسه الملل

وتم الهجر لينتقل الكثير منهم لتويتر .. ليه .. لان في تويتر موضوع .. ولان في تويتر لا يوجد مجاملات ..  فنحن نقرأ في بعض المدونات مشاركات من قراء لقصيدة لا وزن فيها ولا قافيه  ولكن المشاركات التي تم فيها مدحها تفوق شعراء المعلقات ...

اضف الى ذلك ان لو انك فكرت تشارك في غير المجاملة .. فان الرد سيكون في غير ماتحبه .. ثم .. اضف الى ذلك .. انك لو شاركت فان عليك ان تضع فراشا داخل هذه المدونة بانتظار صاحبها بالتكرم بالرد عليك .. حيث انه ينشر ردك ويهمله .. او لا ينشر ردك الا بعد شهر .. ولا يرد عليه الا بعد التقاعد ..

المدونات لا زالت بخير ... وهناك العديد من المدونات الرائعة .. والتي يهتم اصحابها بالزوار .. ويهتم بالردود والمشاركات .. لكن .. هناك بوادر مشكلة بدأت تظهر .. ونخشى ان يأتي يوم يتم فيه هجر المدونات .. وقتها راح نقول .. مافيش فايده غطيني ياصفيه 

‏اطبع هذه الصفحة