رحلة بر



تستهويني حياة  البر ( الصحراء )  .. ببساطتها وطبيعتها وهدوئها .. وكنت احرص منذ الصغر بان ارافق اهلي في هذه الرحلات .. فكنا ننصب الخيام وبيوت الشعر .. ونقيم الاسوار الصغيرة ومحاصر الغنم .. وايصال الانارة للخيام وبيوت الشعر وفوق الاسوار .. ثم نهتم باقامة بيت الضيوف او بيت المجلس .. حيث يجلس به جدي وابوي .. فتكون الصدارة لهما .. وعلى جانب بعيد من بيت المجلس مكان الضيافة .. حيث تنصب المرابع وفوقها الدلال .. وتصف فناجيل القهوة .. ويقوم الصبي ( الخادم ) المكلف بهذا العمل بحمس ( تحميص ) القهوة .. فكنا نشم رائحتها على مسافات بعيدة ..

وبعدها ننصب ( نقيم ) المطابخ .. منها اثنان كبيران ..ومطبخ خارجي بالهواء الطلق .. وهذا المطبخ متحرك لا يعمل الا عندما يأتي الينا ضيوف .. حيث ينصب ( يقام ) هذا المطبخ بطريقة علمية .. بحيث لا يشم الضيف رائحة الطبخ ولا نزعجه بها .. فنتعرف على مسار الرياح .. وننصب المطبخ الخارجي في موقع لا تنقل الريح رائحة الطبخ للضيوف ...

ثم توزع المهام بشكل دقيق .. حيث يكون هناك خيام وبيوت شعر للنساء .. وخيام للاولاد والشباب .. وتكلف النساء بادارة المكان بشكل كامل وفعلي .. فهن من يحددن  الطلبات وكميتها .. وهن  من يراقبن الاولاد والاطفال ونظافة المكان .. وهن المسؤولات عن محاصر الغنم وكميات اللحم وادارة من يقوم على خدمتها .. 

وبين هذا الصخب .. كنت اعيش اجمل اللحظات فكنت اسرح وسط هذا البر الفسيح .. اراقب السماء وابحث في الارض .. واجري وراء الزواحف دون ايذائها .. واذا تعبت ذهبت لجدي اجلس معه .. فكنت اطفره ( امازحه ) وكنت استغرب من العصا التي يحملها دائما معه .. وسأله ياجدي انت تمشي ع رجولك ( أقدامك ) ليه هالعصا دوم تشيلها  ( تحملها ) معك .. فكان يرد باقتضاب اهي اللي تشيليني ماهو بانا اللي اشيلها .. فاستغرب اكثر ... وأذهب لامي اقول لها جدي انجن يقول العصا هي اللي تشيله .. فكانت تضحك وترد اي  ( نعم ) اهي اللي تشيله .. فاتركهما وانا اقول البيت انجن .. 

وكان ابوي لا يتدخل بحواري مع جدي .. لكن حين حس اني مافهمت قصد جدي .. سألني وقت عشاء ..  عن الدراسة .. فرديت اني متفوق .. فقال  انا ابيك ( اريدك ) ان تحشو مخك بكل المعلومات اللي يقولها لك المدرس .. فرديت اكيد ان شاء الله .. فابتسم وقال لي .. اشمعنى هاذي فهمتها .. فاستغربت  .. فقال يعني اشمعنى فهمت كلامي لما قلت لك تحشو مخك بالمعلومات .. فرديت مفهومه يبه .. فقال .. كيف مفهومه ..المخ حد يقدر يحشيه .. كيف تحشيه بالمعلومات .. المخ اعصاب ودم كيف تدشش ( تدخل ) فيه ورق وكتابات .. فرديت .. يبه القصد في الحشي اني احفظ .. فابتسم .. وقال .. وهذا قصد جدك ان العصا تساعده عشان يمشي .. 

وكانت لي طريقة في بحثي عن الزواحف .. فكنت كلما شاهدت جحر ضب .. اطلق عليه اسم .. وكنت احمل له الطعام ... وانتظره بعيد واشاهده وهو ياكل .. وفي البدايه كان يدخل الطعام في بيته .. لكن بعد ان تأكد اني مسالم واني صديق .. بدأ ياكل خارج بيته وهو يراقبني .. الغريبة .. ان هذه الزواحف دلت مكاني .. فكان الكثير منها تمشي باتجاه بيوتنا ... يعني بيوت الشعر .. وكنت الوحيد الذي يعرف السبب .. فكنت اخاف عليها .. واسرع باحضار الطعام لها وانا اكلمها عشان ترجع لجحورها ... والعريب ايضا .. انها ماكانت تخاف مني .. وتاخذ الاكل بكل بساطة وتذهب وكأنها فهمت كلامي ...

البر حياة ثانية ... انها حياة البساطة بكل معانيها 

اطبع هذه الصفحة

تعليقات

  1. صباح الغاردينيا ابن السور
    وماأروع الصباح بين حروفك وسردك أستمتعت جداً وكأني في رحلة للبر بداية من وصفك مروراً بـ إبتسامة عانقت شفتي على حكاية جدك وأعجبني أسلوب والدك جداً هو أسلوب جميل حين نناقش الطفل عن معلومة حتى لو هز رأسه بـ الإجابه كما فعلت أنت ايها الطفل النبيه :) مع أحترامي طفل حينها
    أما حكايتك مع الزواحف دائماً كنت أشعر أن أي حيوان يشعر وقد يفهم لغتك بمشاعرك حين تكون قريبة وذلك القرب بـ الآمان الذي تمنحه لذلك المخلوق الضعيف كنت حنوناً وأميناً عليها لذلك كانت تأتيك وتعرف مكانك وتأكل بـ آمان أمامك جوزيت الخير على رفقك بها ووهبك عمراً مديداً لتستعيد تلك الذكريات في الصحراء مع أبنائك :) "
    ؛؛
    ؛
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    reemaas

    ردحذف
  2. صباح النوير
    تصدقين ريماس
    هذا الشعور حقيقة بان الحيوان يفهم
    انه يتفهم لغة تعابيرك وحركاتك ويفهم منها مشاعرك تجاهه .. فيأمن لك عندما يحس انك صديق وينفر منك عندما يحس انك غير ذلك ...
    صحبة الطيور والزواحف والحيوان رفقة رائعة اذا تفهمت غريزته واحتياجاته .. فليس كل حيوان او زاحف او طير يمكن ان تصادقه .. فعالمهم مثل عالمنا الانساني .. هناك الغدر وهناك الامن الوقائي .. حيث يمكن للحيوان ان يأذيك من باب الاحتياط الذي يمارسه لحفظ جنسه ومكانه ..

    مشكورة على المشاركة وعلى الكلام الجميل الذي قرأته لك بحق ابوي وجدي

    12 مارس, 2012 11:28 ص

    ردحذف
  3. ليس هناك اجمل من حياه البر
    حيث الهدوء والبدو واحساس التخلي
    عن الصغب والرجوع الي الحياه البدائيه
    استمتعت هنا بكلامك وشرحك لرحلاتك
    تحياتي

    ردحذف
  4. كارولين فاروق

    حياة الصحراء طبيعة ساحرة
    وتحمل في بساطتها لغة من السهل فهمها
    والتعايش معها .. هي ليست حياة بدائية
    بقدر انها حياة اصل يجب المرور عليها
    حيث اليوم ياكارولين حياة الصحراء تختلف عن الامس
    ففي بيوت الشعر انارة وثلاجات وتلفزيونات
    وخارجها هناك المطابخ والحمامات وحنفيات ماء
    وهناك خدم وسواق ( مفردها سائق )
    ولسنا وحدنا في العالم العربي الذي يستمتع بالصحراء ففي دول اخرى تقوم بهذه الرحلات وتستمتع بها برغم انها دول صناعية وتعتبر من العالم الاول
    لكنها تحن للبساطة وترغب بان تعيشها
    شكرا ياكارولين على المشاركة
    وسعيد جدا بتواجدك معنا
    وكارولين للذين لا يعرفونها
    هي صاحبة مدونة ( انا والعذاب وهواك
    وصاحبة قلم رقيق للغاية
    انصحكم بزيارة مدونتها
    والاطلاع على مواضيعها
    فهي تستحق القراءة والمتابعة
    عنوان المدونة هو

    http://mositer.blogspot.com/

    ردحذف
  5. السلام عليكم أخي ابن السور

    ما أجمل سردك و عفويتك في طرح هذه الرحلة الجميلة و كأنني اراها عن قرب

    واكثر ما اعجبني في هذه الرحلة و رسم على شفتاي ابتسامه عريضه عندما سألت جدك عن العصا و استغربت رده و من ثم سألت الوالده و كانت تظحك فانعتهم بما وصفت

    عموما الله يحفظلك الأسره الكريمه

    وايضا اعجبتني طريقتك مع الزواحف

    الله يعطيك العافيه

    دمت بخير و سلام دائماً أن شاءالله .

    ردحذف
  6. مها العجمي

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركانه
    هلا ومرحبا بمها
    والله شيء عجيب .. تصوري انتي طفل يشوف جده يمشي مابه شي .. يعني العصا ابيده على جنب مايرتجي عليها .. ويساله عنها ويرد بان هالعصا تشيله .. وشلون يفهم .. ثم لو فهم ماراح يفهم المسافة القصيرة بين بيت الشعر وبين البراح اللي ماتاخذ خطوتين .. لكن انا كان تصوري بهاك الوقت ان عالصا حقنا .. يعني يطقنا بالعصا .. لكن تشيله كيف تشيله ..
    وامي فهمت لكن مشاغلها منعتها تجلس معي وتفهمني .. ويمكن حبت هالجهل اللي فيني لانه يتماشى مع سني .. وبقلبها تقول باجر يكبر وبيفهم ..
    خطأ لزوم يفهم الطفل .. لزوم انه يلاقي جواب يشبع نهمه للمعرفة .. الطفل بهذا السن يامها نهم وده يعرف كل شي حتى لو انه اكبر منه .. يعني اكبر من سنه ..
    هاذي العصا للحينها عندي .. وانا حاطها بالصالون .. كنت حاطها بالديوان ثم شلتها خفت عليها .. واذكر ان صديق حضر عندي وبعد ماشرب القهوه سألني عنها فقلت لها هاذي العصا كانت تشيل جدي .. فاستغرب .. فضحكت قلت مستغرب الا صج كانت تشيل جدي .. تصوري رجال عود مافهم
    الله يرحمه ويحسن اليه كان رجال طيب وحكيم هو من علم ابوي .. وابوي علمني .. وانا اعلم الناس بعلمي .. كل الناس اولادي واخواني ..
    وانا ابيج يامها تطلعين معلمه كاتبه مهندسه طبيبه المهم تاخذين الشهادة .. وترى المعلم ماهو بشرط يكون بقاعه او جدام طلبه .. المعلم بفعله وقوله وتصرفه .. الناس تاخذ منه الحكمة وتاخذ منه القدوة والدنيا ولا تسوه

    مشكوره على المشاركة

    ردحذف
  7. صباح الخير ...

    حبيت البوست ذكرياته جميله خصوصا مع الضبان ..
    واستغربت شي من سردك أو للأمانه ما عرفة هل هو تصرف سليم أو لآ ..

    لما انتقدت جدك و وصفته بطريقة طفوليه إلا إنها غير لبقة الوالده ردت عليك بضحكه .. إلي أشوه من إلي حوالي معالجات مختلف للأطفال لكن مافيهم أحد ضحك علشان جذي استغربت :)


    شكرا ابن سور على مشاركتنا جزء من ذكرياتك عساك على القوة

    ردحذف
  8. الجودي

    هي ردة فعل من طفل
    وأظن ان ابيه تمكن بان يحتوى ردة فعله وتعليمه
    بما يجب ان يفهمه ويستوعبه

    شكرا على المشاركة

    ردحذف
  9. بوست جميل ذكرني بطفولتي و أيام البر الجميله
    على طاري الضب اذكر يوم اني صغيره *
    امي يابت لي الضب و قالتلي شوفيه شوفي شلون جلده خشن مسكيه انا خفت
    قالتلي لا ما يسوي شي مسكته و حطيته بحضني و كنت امسح على ظهره
    و كنت اشوفه مسالم ,,,
    و كنت في قمة السعاده و ابي اوري امي شلون ان انا ما اخاف و انه طيب و ما سوالي شي
    بعدين شلته و رحت حق خيمة الحريم اشوفهم كلهم بدت عليهم علامات الخوف و الفزع استغربت
    امي قالتلي لا تيبينه هني و الحريم كانوا مخترعين و يقولون هديه و ديه بعيد
    جان اقوم و اقطه فجأة ما اشوف إلا غبرتهم
    و تحول هالحيوان المسالم الى مفترس اخترعت منه و رحت اركض
    و ظل سؤال ببالي ليش خافوا منه معنه طيب و لما خافوا منه صار صج يخوف ؟
    و طبعا عقب هالسالفه صرت اخاف منه و سؤالي هل الخوف ممكن يكون مكتسب من الناس اللي حوالي ؟

    ردحذف
  10. رناي

    الخوف عملية غريزية
    لكن تتهذب وتتكيف حسب الظروف
    فمثلا الانسان يخاف من الاسد
    لكن عندما يتعلم تدريب الحيوان
    فانه يتعود ويتكيف ويتغلب على غريزة الخوف
    لكن ليس تغلبا كاملا
    حيث يبقى الخوف مستمرا معه
    اما ان كان الخوف ممكن اكتسابه فنعم
    فنحن نخاف من الجن والعفاريت
    مع اننا لم نشاهد اي جني او عفريت
    لكننا اكتسبنا هذا الخوف
    من القصص والروايات التي نسمعها عن الجن والعفاريت
    شكرا على المشاركة

    ردحذف

إرسال تعليق

اقرأ أيضا :

سر رقة البنات بالهاتف

سر تشابه الناس

هل صفات الحيوانات حقيقة

هل زوجتك خائنة

اصنعوا الحياة

هل للحب سرا

عيون المرأة ماسر سحرها

البويات سلوك وعلاج

هل كنا في الارض قبل خلقنا